الجنس : عدد المساهمات : 11 نقاط : 8638 تاريخ التسجيل : 31/07/2012
موضوع: اعراب سورة الفاتحة كاملة الأربعاء سبتمبر 05, 2012 1:41 pm
[ ص: 11 ] سورة الفاتحة : وعدد آياتها ( 7 ) قال تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ( 2 ) الرحمن الرحيم ( 3 ) ) الجمهور على رفع ( الحمد ) بالابتداء . و ( لله ) الخبر ، واللام متعلقة بمحذوف ، أي واجب ، أو ثابت . ويقرأ ( الحمد ) بالنصب ، على أنه مصدر فعل محذوف ; أي أحمد الحمد ; والرفع أجود ; لأن فيه عموما في المعنى .
ويقرأ بكسر الدال ; إتباعا لكسرة اللام ; كما قالوا : المعيرة ورغيف ; وهو ضعيف في الآية ; لأن فيه إتباع الإعراب البناء ، وفي ذلك إبطال للإعراب .
ويقرأ بضم الدال واللام على إتباع اللام الدال ; وهو ضعيف أيضا ، لأن لام الجر متصل بما بعده ، منفصل عن الدال ، ولا نظير له في حروف الجر المفردة ; إلا أن من قرأ به فر من الخروج من الضم إلى الكسر ، وأجراه مجرى المتصل ; لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده .
والـ ( رب ) مصدر رب يرب ، ثم جعل صفة كعدل وخصم ; وأصله راب .
وجره على الصفة أو البدل . وقرئ بالنصب على إضمار أعني ، وقيل : على النداء ، وقرئ بالرفع على إضمار هو .
( العالمين ) جمع تصحيح ، واحده عالم ، والعالم : اسم موضوع للجمع ، ولا [ ص: 12 ] واحد له في اللفظ ; واشتقاقه من العلم عند من خص العالم بمن يعقل ; أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات .
وفي ( الرحمن الرحيم ) الجر والنصب والرفع ، وبكل قرئ على ما ذكرناه في رب . قال تعالى : ( مالك يوم الدين ( 4 ) ) قوله تعالى : مالك يوم الدين يقرأ بكسر اللام من غير ألف ، وهو من عمر ملكه ; يقال ملك بين الملك بالضم . وقرئ بإسكان اللام ; وهو من تخفيف المكسور ، مثل فخذ وكتف ، وإضافته على هذا محضة ، وهو معرفة فيكون جره على الصفة ، أو البدل من الله ، ولا حذف فيه على هذا ، ويقرأ بالألف والجر ، وهو على هذا نكرة ; لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرف بالإضافة فعلى هذا يكون جره على البدل لا على الصفة ; لأن المعرفة لا توصف بالنكرة . وفي الكلام حذف مفعول تقديره : مالك أمر يوم الدين ، أو مالك يوم الدين الأمر وبالإضافة إلى " يوم " خرج عن الظرفية ; لأنه لا يصح فيه تقدير في ; لأنها تفصل بين المضاف والمضاف إليه . ويقرأ مالك بالنصب على أن يكون بإضمار أعني ; أو حالا .
وأجاز قوم أن يكون نداء . ويقرأ بالرفع على إضمار هو ، أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من رفع الرحمن ، ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرا .
ويقرأ ( ملك يوم الدين ) على أنه فعل ويوم مفعول أو ظرف . ( والدين ) مصدر دان يدين .
قال تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ( 5 ) ) قوله تعالى : ( إياك ) الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء .
[ ص: 13 ] وقرئ شاذا بفتح الهمزة . والأشبه أن يكون لغة مسموعة .
وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء . والوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين ; لاستثقال التكرير في حرف العلة وقد جاء ذلك في الشعر قال الفرزدق : تنظرت نصرا والسماكين أيهما علي مع الغيث استهلت مواطره .
وقالوا في أما : أيما ، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف ، وإيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر ; فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها ، ولا تكون اسما ; لأنها لو كانت اسما لكانت إيا مضافة إليها ، والمضمرات لا تضاف ، وعند الخليل هي اسم مضمر أضيفت إيا إليه ; لأن إيا تشبه المظهر لتقدمها على الفعل والفاعل ، ولطولها بكثرة حروفها ، وحكي عن العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب .
وقال الكوفيون : إياك بكمالها ، وهذا بعيد ; لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب ، فيقال إياي وإياك وإياه .
وقال قوم : الكاف اسم ، وإيا عماد له وهو حرف وموضع إياك نصب بـ ( نعبد ) .
فإن قيل إياك خطاب ، والحمد لله على لفظ الغيبة ، فكان الأشبه أن يكون إياه .
قيل : عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ، وسيمر بك من ذلك مقدار صالح في القرآن .
قوله تعالى : ( نستعين ) الجمهور على فتح النون . وقرئ بكسرها وهي لغة ; وأصله نستعون ; نستفعل من العون ; فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى العين ، ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها .
قال تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ( 6 ) صراط الذين أنعمت عليهم ) .
[ ص: 14 ] قوله تعالى : ( اهدنا ) لفظه أمر ، و الأمر مبني على السكون عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين ، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء ، وعند الكوفيين هو علامة الجزم .
و ( هدى ) يتعدى إلى مفعول بنفسه ، فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ; ومنه هذه الآية ; وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى : ( هداني ربي إلى صراط مستقيم ) [ الأنعام : 161 ] وجاء متعديا باللام ، ومنه قوله تعالى : ( الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ] .
و : ( السراط ) بالسين هو الأصل ; لأنه من سرط الشيء إذا بلغه ، وسمي الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع .
فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل ، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا ; لتجانس الطاء في الإطباق ، والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس ، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها ، فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق .
ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا ; لأن الزاي والسين من حروف الصفير ، والزاي أشبه بالطاء ; لأنهما مجهورتان .
ومن أشم الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والإطباق .
وأصل : ( المستقيم ) مستقوم ، ثم عمل فيه ما ذكرنا في " نستعين " ، ومستفعل هنا بمعنى فعيل أي السراط القويم . ويجوز أن يكون بمعنى القائم ; أي الثابت .
وسراط الثاني بدل من الأول ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهما بمعنى واحد ، وكلاهما معرفة .
و ( الذين ) اسم موصول ، وصلته أنعمت ، والعائد عليه الهاء والميم .
[ ص: 15 ] والغرض من وضع " الذي " وصف المعارف بالجمل ; لأن الجمل تفسر بالنكرات ، والنكرة لا توصف بها المعرفة . والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة ، ألا ترى أن من و ما معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة والأصل في الذين اللذيون ; لأن واحده الذي ، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الأصل ; لئلا يجتمع ساكنان .
والذين بالياء في كل حال ; لأنه اسم مبني ، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو ، وفي الجر والنصب بالياء ، كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع وبالياء في الجر والنصب .
وفي الذي خمس لغات : إحداها : لذي بلام مفتوحة من غير لام التعريف ، وقد قرئ به شاذا . والثانية : الذي بسكون الياء . والثالثة : بحذفها وإبقاء كسرة الذال . والرابعة : حذف الياء وإسكان الذال . والخامسة بياء مشددة .
قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قوله تعالى : ( غير المغضوب ) يقرأ بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه بدل من الذين . والثاني : أنه بدل من الهاء والميم في عليهم . والثالث : أنه صفة للذين .
فإن قلت الذين معرفة " وغير " لا يتعرف بالإضافة ، فلا يصح أن يكون صفة له ، ففيه جوابان . أحدهما : أن " غير " إذا وقعت بين متضادين ، وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة ; كقولك عجبت من الحركة غير السكون ; وكذلك الأمر هنا ; لأن المنعم عليه ، والمغضوب عليه متضادان . والجواب الثاني : أن الذين قريب من النكرة ; لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ; وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة ; فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه .
ويقرأ ( غير ) بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه حال من الهاء والميم ، والعامل فيها أنعمت ، ويضعف أن يكون حالا من الذين ; لأنه مضاف إليه ، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال ; وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ، ويعمل فيها معنى الإضافة . والوجه الثاني : أنه ينتصب على الاستثناء من الذين ، أو من الهاء والميم . والثالث أنه ينتصب بإضمار أعني .
و ( المغضوب ) مفعول من غضب عليه ، وهو لازم ، والقائم مقام الفاعل [ ص: 16 ] " عليهم " . والتقدير : غير الفريق المغضوب ، ولا ضمير في المغضوب ; لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولذلك لم يجمع ، فيقال الفريق المغضوبين عليهم ; لأن اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة .
( ولا الضالين ) : ( لا ) زائدة عند البصريين للتوكيد ، وعند الكوفيين هي بمعنى غير ، كما قالوا : جئت بلا شيء ، فأدخلوا عليها حرف الجر ، فيكون لها حكم غير .
وأجاب البصريون عن هذا بأن ( لا ) دخلت للمعنى ، فتخطاها العامل ، كما يتخطى الألف واللام ، والجمهور على ترك الهمز في الضالين ، وقرأ أيوب السختياني بهمزة مفتوحة ، وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد ، نحو ضال ، ودابة ، وجان ; والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين .
صل : وأما ( آمين ) : فاسم للفعل ، ومعناها اللهم استجب ، وهو مبني لوقوعه موقع المبني ، وحرك بالفتح لأجل الياء قبل آخره ، كما فتحت أين ; والفتح فيها أقوى ; لأن قبل الياء كسرة ، فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين .
وقيل : ( آمين ) اسم من أسماء الله تعالى ، وتقديره يا آمين ، وهذا خطأ لوجهين : أحدهما : أن أسماء الله لا تعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع .
والثاني : أنه لو كان كذلك لبني على الضم لأنه منادى معرفة أو مقصود ، وفيه لغتان : القصر وهو الأصل ، والمد وليس من الأبنية العربية ، بل هو من الأبنية الأعجمية كهابيل وقابيل . والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة ، فنشأت الألف ، فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية .
من كتاب التبيان في إعراب القرآن أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري